زيت الورد: تاريخه واستخداماته في مستحضرات التجميل والعطور

تعرّف على تاريخ زيت الورد وفوائده الجمالية، واكتشف كيف أصبحت إسبرطة التركية مركزًا عالميًا لإنتاج أنقى وأفخر زيوت الورد في العالم

د. ظافر لطيف فياض

7/25/2025

a man riding a skateboard down the side of a ramp
a man riding a skateboard down the side of a ramp

زيت الورد (Rose Oil) هو زيت عطري مركّز يُستخرج من بتلات الورد عبر عملية التقطير بالبخار، ويُعدّ من أثمن الزيوت الطبيعية لرائحته الزكية وخصائصه العلاجية. اشتهر هذا الزيت على مرّ التاريخ برمز الفخامة والرومانسية، ودخل في تركيبة العديد من منتجات العناية والتجميل والعطور الراقية. في هذه التدوينة نستعرض خلفية تاريخية عن زيت الورد وبداية إنتاجه، ودور مدينة إسبرطة التركية في صناعته وتجارته، بالإضافة إلى أبرز استخداماته في مجال التجميل والعلاج الطبيعي وصناعة العطور.

الخلفية التاريخية لإنتاج زيت الورد

ترجع أصول استخراج زيت الورد إلى قرون بعيدة في منطقة فارس (إيران حاليًا)، حيث تشير المصادر إلى أن تقطير بتلات الورد بدأ هناك منذ القرن العاشر الميلادي تقريبًا .ويُنسب إلى العالم والطبيب ابن سينا تطوير تقنية التقطير البخاري للورد في تلك الحقبة، مما أدى إلى إنتاج ماء الورد ولاحقًا زيت الورد. انتقل هذا الفن من فارس إلى شبه القارة الهندية خلال عهد إمبراطورية المغول؛ إذ أصبح زيت الورد وماء الورد عنصرًا أساسيًا في تقاليد البلاط الملكي المغولي واحتفالاته ووصفات الطب الأيورفيدي. وتروي الأساطير أن الإمبراطورة نور جهان (زوجة جهانكير) قد اكتشفت عطر الورد العطري عندما لاحظت طبقة الزيت العطرية تطفو على ماء الورد في إحدى المناسبات الملكية، ما أدى إلى انتشار استخدام زيت الورد في الهند كعنصر فاخر للعناية والجمال.

مع بداية عصر النهضة في أوروبا، وصل زيت الورد إلى القارة عبر طرق التجارة، وأصبح مطلوبًا بشدة في أوساط النبلاء. خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر حظي زيت الورد بتقدير عالٍ في أوروبا كرمز للرقي والأناقة، حيث استُخدم في صناعة العطور الراقية والأدوية التقليدية ومستحضرات التجميل. وبحلول القرن الثامن عشر، ترسّخت مكانته بشكل أكبر في عالم العطور الغربي؛ فقد قامت شركة فرنسية عام 1740 باستيراد أول دفعة من زيت الورد البلغاري، ومنذ ذلك الحين أصبح هذا الزيت مكوّنًا أساسيًا ومفضلًا في صناعة العطور الفرنسية الفاخرة. واليوم، ما زال زيت الورد يُنتج بشكل رئيسي في بعض المناطق التقليدية حول العالم، خصوصًا في بلغاريا وتركيا وإيران، والتي تتصدر قائمة الدول المنتجة له.

إسبرطة التركية: عاصمة الورد العالمية

تعدّ مدينة إسبرطة (Isparta) جنوب غرب تركيا مثالًا حديثًا لتاريخ زيت الورد العريق، إذ تحوّلت إلى مركز عالمي لإنتاج هذا الزيت الثمين. يُطلق على إسبرطة عدة ألقاب مرتبطة بالورد منها "عاصمة الورد في العالم" و "جنة الورد" نظرًا لمساحاتها الشاسعة المزروعة بالورد الدمشقي ومكانتها الاقتصادية في هذا المجال. بدأت قصة إسبرطة مع الورد في أواخر القرن التاسع عشر، عندما قام رائد زراعة الورد في المنطقة مُفتو زاده غولجو إسماعيل أفندي بتهريب شتلة ورد دمشقي من وادي كازانلك في بلغاريا عام 1888 مخبأة داخل عصاه، وزرعها في أراضي إسبرطة. نجحت التجربة وازدهرت زراعة الورد هناك، لتبدأ أولى عمليات تقطير زيت الورد محليًا بحلول عام 1892. وقد غيّرت هذه الخطوة الجريئة ملامح اقتصاد المدينة وثقافتها، حيث انتشرت حقول الورد في سهولها ووديانها عبر الأجيال.

خلال أكثر من مئة عام، تطورت إسبرطة لتصبح أكبر منتج لزيت الورد ومشتقاته في العالم. تُشير الإحصاءات إلى أن إسبرطة وحدها تنتج حوالي65% من الإنتاج العالمي لزيت الورد، مما يجعلها المورّد الأساسي للعديد من شركات العطور ومستحضرات التجميل العالمية. تتركز زراعة الورد فيما يقارب 25 ألف دونم من أراضي المحافظة، ويعمل في هذه الحقول ما يربو على 12 ألف مزارع ومنتج محلي. يبدأ موسم حصاد الورود في إسبرطة مع تفتح الزهور أواخر الربيع (مايو/أيار) ويستمر طيلة شهر يونيو/حزيران، حيث يجتمع المزارعون مع بزوغ الفجر لقطف الأزهار يدويًا قبل اشتداد الشمس والسبب في هذا التوقيت المبكر هو الحفاظ على أقصى كمية من الزيت العطري في البتلات قبل أن تتبخر تحت حرارة الشمس تتحول عملية الحصاد اليومية إلى طقس احتفالي سياحي، إذ يتوافد آلاف الزوار لمشاهدة "حدائق الورد" المتفتحة والمشاركة في قطف الأزهار وتجربتها.

بعد القطف، تُنقل الورود بسرعة إلى معامل التقطير في نفس اليوم. عملية استخراج الزيت شاقة وتتطلب كميات هائلة من الأزهار (إنتاج كيلوغرام واحد من زيت الورد يستلزم نحو أربعة أطنان من الورد (أي ما يقارب مليوني زهرة يتم جمعها يدويًا يجري غلي بتلات الورد في الماء ضمن قدور نحاسية كبيرة لاستخلاص الزيت العطري المتصاعد مع البخار، ثم يُكثَّف البخار لفصل الزيت عن الماء (ماء الورد هو الناتج الثانوي). تُكرر عملية التقطير عدة مرات لضمان جمع كل قطرة من الزيت الثمين. لهذه الأسباب تُعتبر صناعة زيت الورد من أغلى الصناعات العطرية؛ فالكيلوغرام الواحد من الزيت قد يصل سعره إلى حوالي 10–12 ألف يورو في الأسواق العالمية. وتصدّر إسبرطة نحو 95% من إنتاجها من زيت الورد سنويًا إلى الخارج، وخاصة إلى فرنسا (عاصمة العطور العالمية) والولايات المتحدة وغيرها. لا عجب إذن أن يُطلق على زيت الورد لقب "الذهب السائل"، فهو مصدر دخل هام للمنطقة ومحط تنافس في صناعة العطور الفاخرة عالميًا.

استخدامات زيت الورد وفوائده في التجميل والعطور

يتميز زيت الورد بتركيبته الكيميائية الغنية (يحتوي على مئات المركبات) التي تكسبه خصائص فريدة للعناية بالصحة والجمال. فيما يلي أبرز المجالات التي يُستخدم فيها زيت الورد:

صناعة العطور الفاخرة: يدخل زيت الورد في تركيب أفخم العطور العالمية كعنصر أساسي في قلب التركيبة العطرية. تمتزج رائحته الزهرية الدافئة مع نفحات حلوة وتوابل خفيفة لتضفي عمقًا وأناقة على العطر. نظرًا لارتفاع ثمنه، غالبًا ما يُستخدم زيت الورد الطبيعي في عطور العلامات التجارية الراقية بكميات محسوبة، إذ يكفي مقدار ضئيل منه لمنح العطر ثباتًا وتميّزًا. الجدير بالذكر أن الاعتماد على زيت الورد في صناعة العطور يعود لقرون ماضية؛ فقد فضّله صانعو العطور الفرنسيون منذ القرن الثامن عشر لما يقدمه من رائحة غنية وممتدة. حتى اليوم، لا تزال دور العطور الكبرى تستورد زيت الورد من مناطق إنتاجه التقليدية (خاصة إسبرطة وبلغاريا) لابتكار باقات عطرية ذات طابع كلاسيكي فاخر.

مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة: اشتهر زيت الورد بفوائده الجمالية المتعددة، مما جعله يدخل في تركيب العديد من كريمات الوجه والمستحضرات التجميلية الراقية. يساعد زيت الورد على ترطيب البشرة بعمق والحفاظ على ليونتها، إذ يعمل على تعزيز احتفاظ الجلد بالماء لفترات أطول. كما أنه غني بمضادات الأكسدة والفيتامينات مثل فيتامين (س) التي تحمي خلايا البشرة من التلف وتقاوم علامات التقدّم بالسن. يمتلك الزيت أيضًا خواص مضادة للالتهاب والبكتيريا، مما يساهم في تهدئة البشرة المتهيجة وتقليل الاحمرار وحب الشباب. لذا يوصف أحيانًا بأنه بمثابة "برنامج فوتوشوب طبيعي للبشرة" لقدراته على تحسين مظهر الجلد وإخفاء العيوب مع الاستخدام المنتظم. تُشير بعض المصادر إلى أن الاستخدام الموضعي لزيت الورد (بعد تخفيفه بزيت ناقل مناسب مثل اللوز أو الجوجوبا) يساعد في علاج الندوب وآثار الجروح وتمديدات الجلد، بفضل تحفيزه تجديد الخلايا وإنتاج الكولاجين بشكل طبيعي. وبالرغم من فوائده، ينبغي استخدام زيت الورد بحذر وعلى بشرة نظيفة، ويفضّل اختباره على منطقة صغيرة أولًا للتأكد من عدم وجود حساسية.

العلاج العطري والعلاجات الطبيعية: يشغل زيت الورد مكانة مميزة في طب الروائح (الأروماثيرابي) والطب التقليدي بسبب تأثيراته الإيجابية على النفس والجسم. استُخدم هذا الزيت عبر التاريخ في الثقافات المختلفة لتهدئة الأعصاب وتحسين المزاج، حتى أن المصادر العثمانية القديمة وصفته بأنه مركّب لا غنى عنه لعلاج الكثير من الحالات الصحية. عند استنشاق رائحته أو تدليك الجلد به (بعد تخفيفه)، يعمل زيت الورد على تقليل التوتر والقلق وتحسين الشعور بالراحة النفسية. بينت دراسة شملت مئات المشاركين أن استنشاق زيت الورد أو تطبيقه موضعيًا ساعد في إرخاء الجسم وتخفيف أعراض الاكتئاب بشكل ملحوظ. كما يُعتقد أن رائحة الورد الطبيعية تساهم في تحسين جودة النوم ومكافحة الأرق عند استخدامها في جلسات التأمل والاسترخاء. وإلى جانب ذلك، يدخل زيت الورد وماء الورد في وصفات الطب الشعبي لعلاج بعض المشكلات الصحية الخفيفة؛ مثل استخدامه كمطهر للجروح الصغيرة، أو لتهدئة التهاب الحلق عند الغرغرة بماء الورد المخفف، أو للتخفيف من تهيّجات العينين عبر كمادات ماء الورد البارد. وعلى الرغم من أن العديد من هذه الاستخدامات التقليدية لا تزال بحاجة إلى مزيد من الأبحاث العلمية للتأكد من فعاليتها، فإن الانتشار الواسع لها عبر الزمن يدل على القيمة العلاجية التي وجدت في الورد وزيته في مختلف الحضارات.

في الختام، يظل زيت الورد جوهرة عطرية فريدة تربط الماضي بالحاضر؛ فهو يجمع بين عبق التاريخ المتمثل في تقاليد استخراجه القديمة، وبين الحداثة المتمثلة في استخداماته المتنوعة في الصناعات التجميلية والعلاجية اليوم. إن قطرة واحدة من زيت الورد تحمل بين طياتها عبير ملايين الأزهار، لتذكرنا دومًا بأن الطبيعة قادرة على منحنا أفخر الكنوز وأروعها عطرًا وفائدة.